تربية الأطفال (9)
وكان (صلى الله عليه وسلم ) يرحم بكاء الطفل في الصلاة فيخففها، ويحث أئمة المساجد على تخفيف الصلاة لأجلهم:
عن أنس رضي الله عنه قال: ما صليت وراء إمام قَط أخف صلاة ولا أتم من النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف عنه مخافة أن تُفتَن أمه.
ويؤكد (صلى الله عليه وسلم ) ذلك بنفسه فيقول: «إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وَجْد أمه من بكائه»
عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال: «إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف فإن منهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف يشاء».
ويناديهم (صلى الله عليه وسلم ) بكنيتهم تكريمًا لهم:
يقـول أنس رضي الله عنه: كان رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) أحسن الناس خلقًا وكان لي أخ يقال له أبو عمير، قال: أحسبه فطيمًا، وكان إذا جاء (أي النبي) قال: يا أبا عمير... إن النداء للطفل بكنيته يرفع معنوياته، ويجعله أشد حبًّا لمعلمه ومربيه، وكلما كانت العلاقة بين الطفل ومؤدبه حسنة كانت النتائج إيجابية وسريعة وعظيمة، فلنقتد بخير الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم ) .
ويُحسن النداء (صلى الله عليه وسلم ) للصغار حتى من الخدم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) قال: «لا يقولن أحدكم: عبدي، وأَمَتي كلكم عبيد اللَّه، وكل نسائكم إماء اللَّه، وليقل: غلامي، وجاريتي، وفتاي، وفتاتي»
ويَحْمِلُهم (صلى الله عليه وسلم ) في صلاته:
عن عبد اللَّه بن شداد رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدم رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) فوضعه ثم كبَّر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) وهو ساجد، فرجعتُ إلى سجودي، فلما قضى رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) الصلاة قال الناس: يا رسول اللَّه، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحَى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته»
وعن أبي قتادة الأنصاري أن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي وهو حامل لأمامة بنت زينب بنت رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) ، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها
تربية الأطفال (10)
ويقدّر صلي الله عليه وسلم للصغار لعبهم:
ماذا تقولي أتها المربية حينما تعلمي أن الحسين بن عليّ وهو طفل؛ كان عنده جِرْو (كلب صغير) يتسلَّى به، وأن أبا عمير بن أبي طلحة كان عنده عصفور يلعب به، وأن عائشة رضي اللَّه عنها كان عندها لُعَب (بنات) تلعب بها؟ والجواب: أن هذا إقرار من النبي صلي الله عليه وسلم لحاجة الطفل إلى اللعب والترفيه، والتسلية وإشباع الرغبة. وماذا تقولي يا أخت أيضًا حينما تعلم أن النبي صلي الله عليه وسلم لما تزوج عائشة حملت معها لعبها إلى بيت النبي صلي الله عليه وسلم لتلعب بها عنده، بل كان هو يسرِّب إليها صديقاتها لتلعب معها، ولما امتنع جبريل عليه السلام عن دخول بيت النبي صلي الله عليه وسلم بسبب وجود كلب (جرو الحسين)، ولم يكن النبي صلي الله عليه وسلم عالمًا بوجوده في البيت، ومع هذا لم يعنف الحسين أو يزجره أو يحرمه من لعبته، وكذلك طائر أبي عمير؛ لم يمنعه النبي صلي الله عليه وسلم من التلهِّي به مادام أنه لا يعذبه ولا يؤذيه، ماذا تقولي يا أخت حين تعلم هذا كله وأكثر منه في سلوك نبينا نحو احترام كيان الطفل؟! والجواب: أن هذا تقرير منه صلي الله عليه وسلم للعب الصبي؛ لأن اللعب ينمّي عقله، ويوسع مداركه، ويشغِّل حواسه وأحاسيسه. وأن توفير اللعبة المفيدة له يرفع عنه الحرمان، ويعينه على بر الأبوين، ويُدخِل السرور على نفسه، ويستجيب لميوله ويرضيه، فينشأ طفلاً سويًّا.
مضار منع الأطفال من اللعب :
وقد نصح العلماء رحمهم اللَّه أن يُسمَح للطفل باللعب اليسير لا باللعب الشاق بعد الانتهاء من دروسه لتجديد نشاطه، بشرط ألاَّ يُتعب نفسه. وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكُتَّاب أن يلعب لعبًا جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب، فإنَّ منْع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعليم دائمًا يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسًا. كما يعوَّد الصبي في بعض النهار المشي والحركة والرياضة، حتى لا يغلب عليه الكسل. إن اللعب للأطفال كالعمل للرجال، والطفل الصحيح الجسم لا يستطيع أن يجلس ساكنًا خمس دقائق؛ فتراه ينقب في كل شيء تقع عليه عينه، ويقلِّبه ويضعه في فمه، وقد يفكه ليبحث عما في داخله. وقد ثبت في علم النفس أن هناك صلة كبيرة بين الجسم والعقل، فما يؤثر في الجسم يؤثر في العقل، وما يؤثر في العقل يؤثر في الجسم، ولكي يستطيع الإنسان القيام بأعباء الحياة يجب أن يكون قويًا في جسمه، سليمًا في عقله.
ولا يفرق صلي الله عليه وسلم جماعتهم وهم يلعبون:يقول أنس رضي الله عنه: خدمتُ رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم يومًا حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمتي، قلت: يقيل رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم فخرجت إلى صبيان يلعبون، فجئت أنظر إلى لعبهم، فجاء رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم فسلم على الصبيان وهم يلعبون، فدعاني فبعثني إلى حاجة له، فذهبت فيها وجلس صلي الله عليه وسلم في فيء (ظل) حتى أتيته الحديث. والنبي صلي الله عليه وسلم يراعي ظروف الطفل وتلبية رغباته النفسية بعيدًا عن الكبت الذي يُولد الانفجار، فسلَّم أولاً على الصبيان، وهذا تقدير منه لهم، وتعويد على إلقاء السلام وإفشائه، ثم جلس في الظل عندهم ينتظر أنسًا، وكلما رأوه وهو يتابعهم وينظر إليهم ويعجب ببهجتهم وحركتهم؛ فيزدادون فرحًا وسرورًا، فينشأون على حبه، وهذا الذي يريد أن يغرسه فيهم صلي الله عليه وسلم
وينهى صلي الله عليه وسلم عن التفريق بينهم وبين أهليهم:
عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِي أن أيوب كان في جيش فَفُرِّق بين الصبيان وبين أمهاتهم، فرآهم يبكون، فجعل يرد الصبي إلى أمه ويقول: إن رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم قال: "من فرَّق بين الوالدة وولدها فرَّق اللَّه بينه وبين الأحباء يوم القيامة".
وفي رواية ابن ماجه (2241) كتاب التجارات عن أبي موسى قال: لعن رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم من فرَّق بين الوالدة وولدها وبين الأخ وأخيه. بل إن النبي صلي الله عليه وسلم يمنع الجلوس بين الطفل وأبيه في المجالس، وهذا لا شك أدب هام وعظيم من آداب مجالس الأطفال مع الكبار؛ لأن أهل الطفل هم أعرف الناس بميوله وعاداته، وإيجابياته وسلبياته، وخطئه وصوابه، وهم أقدر على توجيهه وإرشاده، كما أن الطفل إذا فرِّق بينه وبين أبيه في المجلس فإنه يشعر بالخجل والحرج ويظل شاردًا بذهنه، منتظرًا متى ينتهي هذا المجلس، فلا يستفيد من جلسته مع الكبار شيئًا، لذلك رحم الرسول صلي الله عليه وسلم شعور الطفل ونفسيته من تلك المعاناة، فقال: "لا يجلس الرجل بين الرجل وابنه في المجلس".
إنه التواضع من سيد البشر، والاهتمام بالنشء لبناء شخصيتهم وربطهم بمعلِّمهم الأعظم وقُدوتهم الأكرم؛ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
تحياااااااااااااااتي لكم